فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

قوله: {أَوْ جَذْوَةٍ}.
قرأ حمزة بضم الجيم. وعاصم بالفتح. والباقون بالكسرِ. وهي لغاتٌ في العُود الذي في رأسِه نارٌ، هذا هو المشهورُ. قال السُّلمي:
حمى حُبِّ هذي النارِ حُبُّ خليلتي ** وحُبُّ الغواني فهو دونَ الحُباحُبِ

وبُدِّلْتُ بعد المِسْكِ والبانِ شِقْوةً ** دخانَ الجُذا في رأسِ أشمطَ شاحبِ

وقيَّده بعضُهم فقال: في رأسِه نارٌ مِنْ غيرِ لَهَبٍ. قال ابن مقبل:
باتَتْ حواطِبُ ليلى يَلْتَمِسْنَ لها ** جَزْلَ الجُذا غَيرَ خَوَّارٍ ولا دَعِرِ

الخَوَّارُ: الذي يتقصَّفُ. والدَّعِرُ: الذي فيه لَهَبٌ، وقد وَرَدَ ما يقتضي وجودَ اللهبِ فيه. قال الشاعر:
وأَلْقَى على قَبْسٍ من النارِ جَذْوةً ** شديدًا عليها حَمْيُها والتهابُها

وقيل: الجَذْوَة: العُوْدُ الغليظُ سواءً كان في رأسه نارٌ أم لم يكنْ، وليس المرادُ هنا إلاَّ ما في رأسِه نارٌ.
قوله: {مِّنَ النار} صفةٌ ل {جَذْوَةٍ} ولا يجوزُ تَعَلُّقها بآتِيْكُمْ كما تَعَلَّق به منها؛ لأنَّ هذه النارَ ليسَتْ النارَ المذكورةَ، والعربُ إذا تقدَّمَتْ نكرةٌ وأرادَتْ إعادَتَها أعادَتْها مضمرةً، أو معرَّفَةً ب أل العهديةِ، وقد جُمِع الأمران هنا.
قوله: {مِن شَاطِىءِ} {مِنْ} لابتداءِ الغايةِ. والأَيْمن صفةٌ للشاطىء أو للوادي. والأَيمن من اليُمْن وهو البركة أو من اليمين المعادِلِ لليسار من العُضْوَيْن. ومعناه على هذا بالنسبة إلى موسى أي: الذي يَلي يمينَكَ دونَ يسارِك. والشاطىء ضفَّةُ الوادي والنهر أي حافَّتُه وطرفُه، وكذلك الشَّطُّ والسِّيْفُ والساحلُ كلُّها بمعنى. وجَمْعُ الشاطىء أشْطَاء قاله الراغب. وشاطَأْتُ فلانًا: ماشَيْتُه على الشاطىء.
قوله: {فِي البقعة} متعلقٌ ب {نُوْدِيَ} أو بمحذوفٍ على أنها حالٌ من الشاطىء. وقرأ العامَّةُ بضم الباء وهي اللغةُ العاليةُ. وقرأ مَسْلَمَةُ والأشهبُ العُقيلي بفتحها. وهي لغةٌ حكاها أبو زيدٍ. قال: سَمِعْتُهم يقولون: هذه بَقْعَةٌ طيِّبةٌ.
قوله: {مِنَ الشجرة} هذا بدلٌ مِنْ {شاطىء} بإعادةِ العاملِ، وهو بدلُ اشتمال.
قوله: {أَن ياموسى} {أنْ} هي المفسِّرةُ. وجُوِّز فيها أَنْ تكونَ المخففةَ. واسمُها ضميرُ الشأنِ. وجملةُ النداءِ مفسِّرةٌ له. وفيه بُعدٌ.
قوله: {إني أَنَا الله} العامَّةُ على الكسرِ على إضمار القولِ، أو على تضمينِ النداءِ معناه. وقُرِىء بالفتح. وفيه إشكالٌ؛ لأنه إنْ جُعِلَتْ أَنْ تفسيريةً وَجَبَ كسرُ {إِنِّي} للاستئنافِ المفسِّر للنداء بماذا كان؟ وإنْ جَعلْتَها مخففةً لَزِم تقديرُ أَنِّي بمصدرٍ، والمصدرُ مفردٌ، وضميرُ الشأن لا يُفَسَّرُ بمفردٍ. والذي ينبغي أَنْ تُخَرَّج عليه هذه القراءةُ أَنْ تكون أَنْ تفسيريةً وأني معمولةٌ لفعلٍ مضمرٍ، تقديرُه: أنْ يا موسى اعلَمْ أنِّي أنا الله.
قوله: {مِنَ الرهب} متعلِّقٌ بأحدِ أربعةِ أشياء: إمَّا ب {ولى} وإمَّا ب {مُدْبِرًا} وإمَّا ب اضْمُمْ ويظهر هذا الثالث إذا فَسَّرنا الرَّهْبَ بالكُمِّ، وإمَّا بمحذوفٍ أي: [تَسْكُن] من الرَّهْب. وقرأ حفصٌ بفتح الراءِ وإسكانِ الهاء. والأخَوان وابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ بالضمِّ والإِسكان. والباقون بفتحتين. والحسن وعيسى والجحدريُّ وقتادة بضمتين. وكلُّها لغاتٌ بمعنى الخَوْفِ. وقيل: هو بفتحتين الكُمُّ بلغةِ حِمْير وحنيفة. قال الزمخشري: هو مِنْ بِدَع التفاسير قال: وليت شعري كيف صِحَّتُه في اللغةِ، وهل سُمِع من الثقاتِ الأثباتِ الذين تُرْتَضَى عربيتُهم؟ ثم ليت شعري كيف موقعُه في الآيةِ وكيف تطبيقُه المفصَّلُ كسائرِ كلماتِ التنزيل. على أنَّ موسى صلوات الله عليه ليلةَ المُناجاة ما كان عليه إلاَّ رُزْمانِقَةٌ من صوف لا كُمَّيْ لها الرُّزْمانِقَةُ: المِدْرَعَة.
قال الشيخ: هذا مرويٌّ عن الأصمعي، وهو ثقةٌ سمعهم يقولون: أَعْطِني ما رَهْبِك أي: كُمِّك. وأمَّا قولُه كيف موقعُه؟ فقالوا: معناه أخرِجْ يدَك مِنْ كُمِّك قلت: كيف يَسْتقيم هذا التفسير؟ يُفَسِّرون اضْمُمْ بمعنى أَخْرِجْ.
وقال الزمخشري: فإنْ قلتَ: قد جُعِل الجناحُ وهو اليدُ في أحد الموضعين مضمومًا، وفي الآخر مضمومًا إليه، وذلك قوله: {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} وقوله: {واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} فما التوفيقُ بينهما؟ قلت: المرادُ بالجناحِ المضمومِ [هو] اليدُ اليمنى، وبالجناح المضمومِ إليه هو اليدُ اليسرى، وكلُّ واحدةٍ مِنْ يُمْنى اليدين ويُسْراهما جناح.
قوله: {فَذَانِكَ} قد تقدَّمَ قراءةُ التخفيفِ والتثقيلِ في سورة النساء وقرأ ابن مسعود وعيسى وشبل وأبو نوفل بياءٍ بعد نونٍ مكسورةٍ، وهي لغةُ هُذَيْلٍ. وقيل: تميمٌ. وروى شبل عن ابن كثير بياءٍ بعد نونٍ مفتوحةٍ. وهذا على لغةِ مَنْ يفتح نونَ التثنيةِ، كقوله:
على أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقلَّتْ عَشِيَّةً ** فما هي إلاَّ لَمْحَةٌ وتَغيبُ

والياءُ بدلٌ من إحدى النونين كتَظَنَّيْت. وقرأ عبد الله بتشديدِ النون وياءٍ بعدها. ونُسِبَتْ لهُذَيْل. قال المهدوي: بل لغتُهم تخفيفُها. ولا أظنُّ الكسرةَ هنا إلاَّ إشباعًا كقراءةِ هشام {أَفْئِيدَةً مِّنَ الناس} [إبراهيم: 37].
وذانِكَ إشارةٌ إلى العصا واليد وهما مؤنثتان، وإنما ذُكِّر ما أُشير به إليهما لتذكيرِ خبرِهما وهو برهانان، كما أنه قد يُؤَنَّثُ لتأنيثِ خبرِه كقراءة: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الأنعام: 23] فيمَنْ أََنَّثَ، ونَصَبَ {فِتْنَتَهم} وكذا قولُ الشاعر:
فقد خابَ مَنْ كانَتْ سَرِيْرَتَه الغَدْرُ

وتقدَّم إيضاحُ هذا في الأنعام. والبُرْهان تقدَّم اشتقاقُه.
وقال الزمخشري هنا: فإنْ قلتَ: لِمَ سُمِّيَتِ الحُجَّةُ بُرْهانًا؟ قلت: لبياضِها وإنارتِها، مِنْ قولِهم للمرأةِ البيضاء بَرَهْرَهَةُ بتكريرِ العين واللام. والدليلُ على زيادةِ النون قولهم: أَبْرَهَ الرجلُ إذا جاء بالبُرْهان. ونظيرُه تسميتُهم إياها سُلْطانًا، من السَّليطِ وهو الزيتُ لإِنارتِها.
قوله: {إلى فِرْعَوْنَ} متعلقٌ بمحذوفٍ فقدَّره أبو البقاء مُرْسَلًا إلى فرعونَ وغيرُه: اذهَبْ إلى فرعون. وهذا المقدَّرُ ينبغي أن يكونَ حالًا مِنْ {برهانان} أي: مُرْسَلًا بهما إلى فرعونَ. والعاملُ في هذه الحالِ ما في اسمِ الإِشارةِ. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الأجل:
وقد ورد في النصّ على خمسة أَوجه:
الأَوّل: بمعنى الموت المقدّر: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
الثانى: بمعنى وقت معيّن معتبر {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} إِمّا العشر وإِمّا الثمانية.
الثالث: بمعنى إِهلاك الكفَّار: {وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} أَي إِهلاكهم.
الرّابع: بمعنى عِدّة النساءِ بعد الطَّلاق: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}.
الخامس: بمعنى العذب والعقوبة: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ} أَي عذابه.
والأَجل في الأَصْل: موضوع للمدّة المضروبة للشئ؛ قال الله تعالى: {وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلًا مُّسَمًّى} ويقال للمدّة المضروبة لحياة الإِنسان: أَجَل.
فيقال: دنا أَجله، عبارة عن دُنوّ الموت.
وأَصله استيفاء الأَجل أَي مدّة الحياة.
وقوله: {وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} أَي حدّ الموت.
وقيل: حَدّ الهَرَم.
وقوله: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} فالأَول البقاءُ في هذه الدّنيا، والثانى البقاءُ في الآخرة.
وقيل: الأَوّل هو البقاءُ في الدّنيا، والثانى مدة ما بين الموت إِلى النشور، عن الحسن.
وقيل: الأَوّل للنوم، والثانى للموت، إِشارة إِلى قوله- تعالى- {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} عن ابن عبّاس رضى الله عنه.
وقيل: الأَجَلان جميعًا: الموت، فمنهم مَن أَجلُه بعارض؛ كالسّيف والغَرَق والحرَق وكلّ مخالف، وغير ذلك من الأَسباب المؤدية إِلى الهلاك.
ومنهم من يُوَقّى ويعافى حتى يموت حَتفَ أَنفه.
وهذان المشار إِليهما.
مَنْ أَخطأَته سهم الرّزية لم يخطئه سهم المنيّة؛ وقيل: للنَّاس أَجلان، منهم مَنْ يموت عَبْطة، ومنهم من يبلغ حدًّا لم يجعل الله في طبيعة الدنيا أَن يبقى أَحد أَكثر منه فيها.
وإِليهما أَشار بقوله: {وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} وقصدهما الشاعر بقوله:
رأَيتُ المنايا خَبْط عَشْواءَ من تُصبْ ** تُمِتْهُ ومن تُخْطِئ يُعَمّر ويهرمِ

اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا}.
مَضَتْ عَشْرُ حِجَجٍ، وأراد موسى الخروجَ إلى مصر، فَحَمَلَ ابنَه شعيب، وسارَ بأهله متوجِّهًا إلى مصر. فكان أهلُه في تسييره وكان هو في تسيير الحقِّ، ولمَّا ظَهَرَ ما ظهر بامرأته من أمر الطِّلْقِ استصعب عليه الوقتُ، وبينا هو كذلك آنسَ من جانب الطور نارًا- أي أبصر ورأى- فكأنه يشير إلى رؤية فيها نوعُ أُنْسٍ: وإنَّ اللَّهَ إِذا أراد أمرًا أجْرَى ما يليق به، ولو لم تقع تلك الحالةُ لم يخرج موسى عندها بإيناس النار، وقد توهم- أول الأمر- أن ما يستقبله في ذلك من جملة البلايا، ولكنه كان في الحقيقة سَبَبَ تحقيق النبوة. فلولا أسرار التقدير- التي لا يهتدي إليها الخَلْقُ- لما قال لأهله: {امْكُثُواْ إِنِّى ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّى ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ}.
ويقال: أراح له نارًا ثم لَوَّح له نورًا، ثم بدا ما بدا، ولا كان المقصودْ النَّارَ ولا النورَ. وإنما سماع نداء: {إِنِّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالِمِينَ}.
قوله جلّ ذكره: {فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِىَ مِن شَطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ في الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن} الآية.
أخفى تعيين قَدَم موسى على الظنون بهذا الخطاب حيث قال: {من شاطئ الواد الأيمن} ثم قال: {في البقعة المباركة} ثم قال: {من الشجرة}.
وأخْلِقْ بأن تكون تلك البقعة مباركة، فعندها سَمِعَ خطابَ مولاه بلا واسطة؛ وأعِزُّ الأماكنِ في العالمِ مَشْهَدُ الأحباب:
وإني لأهوى الدارَ ما يستعزني ** لها الود إلا أنها من دياركا

ويقال كم قَدَمٍ وَطَئَتْ لك البقعة، ولكن لم يسمع أصحابُها بها شيئًا!.. وكم ليلةٍ جَنَّت تلك البقعة ولم يظهر من تلك النار فيها شعلة!.
ويقال: شتَّان بين شجرة وشجرة؛ شجرة آدم عندها ظهور محنتِه وفتنتِه، وشجرة موسى وعندها افتتاح نُبُوَّتِه ورسالتِه!.
ويقالك لم يأتِ بالتفصيل نوعُ تلك الشجرة، ولا يُدْرَى ما الذي كانت تثمره، بل هي شجرة الوصلة؛ وثمرتها القربة، وأصلُها في أرض المحبة وفَرْعُها باسِقٌ في سماء الصفوة، وأوراقها الزلفة، وأزهارها تَنْفَتِقُ عن نسيم الرَّوْح والبهجة:
فلمَّا سمع موسى تغيَّر عليه الحال؛ ففي القصة: أنه غُشِي عليه، وأرسل اللَّهُ إليه الملائكة لِيُرِّوحوه بمراوح الأُنْس، وهذا كان في ابتداء الأمر، والمبتدئ مرفوقٌ به. وفي المرة الأخرى خرَّ موسى صَعِقًا، وكان يفيق والملائكة تقوله له: يا ابن الحيض. أمثالك مَنْ يسأل الرؤية؟!